بقلم حسين سجواني

تستحوذ تجربة المستخدم أو تجربة العملاء في عصرنا الرقمي الجديد على اهتمام واسع حالياً، وهي تسهم في مسيرة الابتكار لجميع المنتجات والخدمات تقريباً. وبدءاً من تطبيقات خدمة النقل المواصلات، ووصولاً إلى عطلات نهاية الأسبوع المخصصة لشخصين يمضيان أوقاتاً ممتعة في دور السينما؛ أصبحت تجربة المستخدم إحدى العوامل الأساسية في تحديد نجاح أو فشل المؤسسات، وبات تأثيرها ينتشر على نطاق واسع مستفيداً من الوصول غير المحدود لوسائل الإعلام الاجتماعية، والتي يمكنها عرض وجهة نظر سلبية واحدة على ملايين الهواتف الذكية بلمح البصر.

وتبدي المؤسسات حول العالم اهتماماً بالغاً بتحذيرات المسوقين الذين تعلموا عبر السنين أساليب الاستفادة القصوى من التأثير الايجابي للتجربة ، وذلك لتحقيق الريادة على مستوى العلامات التجارية ودفع مسيرة نموها التجاري قدماً. ولا يتعين علينا البحث كثيراً حتى نكتشف الكثير من الأمثلة على ذلك، ولا سيما في هذا العصر الرقمي الذي شهد تحول شركات مثل ’أوبر‘ و’إكسبيديا‘ إلى امبراطوريات تتجاوز قيمتها مليارات الدولارات بفضل التجارب الغنية التي تقدمها.

ولكن هذا التركيز على تجربة المستخدم لا يقتصر على مخاوف المؤسسات التي تقود عملية التحول الرقمي عالمياً فحسب، حيث نشهد حالياً اتساع نطاقها ليشمل عدداً لا يحصى من القطاعات التقليدية والتي اضطرت إلى إعادة النظر في كامل المنهجيات التي تتبعها لتطوير وتغليف وبيع منتجاتها من خلال وضع تجربة المستخدم في مقدمة أولوياتها.

وسأتناول في هذا المقال واحداً من تلك القطاعات فقط، ألا وهو قطاع السياحة، إذ تشكل المدينة التي أقطن بها، دبي، أفضل الأمثلة حول كيفية النجاح في تطوير القطاع السياحي على مر السنين، واستقطاب السائحين الراغبين بقضاء عطلات مميزة، والمسافرين من رجال الأعمال، والزوار من السياح على حد سواء.

وكانت الحملة التسويقية الأولى لدبي قد بدأت في منتصف العام 2000 من خلال جذب الزوار من مختلف انحاء العالم  نحو أسلوب الحياة الفريد الذي توفره المدينة عبر فنادقها الفاخرة، ومراكز التسوق والمطاعم الفاخرة  التي لا تضاهى. أما اليوم، فقد أجرت دبي تحولاً جذرياً في منهجها التسويقي، على نحو يتيح للزوار المستقبليين إمكانية اختبار الطابع الحقيقي للمدينة والذي يماثل تجربة الإقامة التي يتمتع بها سكان المدينة أنفسهم. ووفقاً لما أشار إليه المدير التنفيذي لـ “دائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي”، فإن المدينة تسعى حالياً لاستقطاب 20 مليون سائح بحلول العام 2020، وستنجح في تحقيق هذا الهدف من خلال الترويج للتجارب الحقيقية التي تسلط الضوء على الطابع المتنوع والعروض السياحية الفريدة لأمارة دبي.

وبرهن مفهوم “التجربة” على حضوره القوي في مختلف أنحاء العالم، حيث يسعى السياح من مختلف انحاء العالم  لخوض التجارب الفريدة ، والتي يمكنهم مشاركتها على نحو فوري مع أصدقائهم وأحبائهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ويمتاز هذا المفهوم بتأثيره العميق، ولا سيما عند الأخذ بعين الاعتبار بأن جيل الألفية يشكل حالياً أضخم الأجيال البشرية من حيث التعداد في العصر الحديث. ويندرج سياح جيل الألفية ضمن إطار الجيل الذي نشأ وترعرع في كنف التكنولوجيا المتطورة – مثل الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي والأجهزة المتنقلة -، ولديه شغف بالغ لاختبار كل جديد. ومن هنا، فقد أصبح هذا المنهج المستند إلى “التجربة” شرطاً أساسياً لاستقطاب هذه الشريحة من السياح الشباب من ذوي الفطنة العالية والذين أصبحوا بمثابة أبطال نجاح العلامات التجارية المتخصصة بالسياحة، والذين يسهمون بشكل فاعل في توفير المحتوى الإيجابي للمستخدمين والذي يساعد بدوره على الترويج للوجهات السياحية.

وأنا أعتقد بأن اتباع منهجية “دبي الحقيقية” يشكل خطوة سليمة في الاتجاه الصحيح من شأنها إفساح المجال أمام المدينة لدخول أسواق سياحية جديدة كلياً. ويتم تسويق محفظة زوار دبي الحالية – والتي بلغت 14,9 مليون زائر في عام 2016 – من خلال العروض السياحية المتنوعة للمدينة، حيث تسهم هذه المحفظة في تعزيز مستويات الوعي حول دبي عبر مشاركة الزوار لتجاربهم في المدينة.

ومن خلال تحويل الاهتمام نحو مفهوم “دبي الحقيقية” المقترح، ستتمكن المدينة من استقطاب مجموعة جديدة من الزوار والذين يُنظر إلى دوافع السفر الخاصة بهم على أنها تشكل فرصة نمو مهمة بالنسبة لقطاع السياحة والضيافة عام 2017 وما بعده. وتسلط هذه التوجهات الضوء على الطلب القوي على تجارب السفر التي تتمحور حول المأكولات والمغامرات والرياضة والثقافة والتصوير الفوتوغرافي للهواة، وصولاً إلى مفهوم السياحة البيئية.

وتشتمل عروض دبي السياحية على جميع هذه الفئات. ففي الوقت الذي تواصل فيه العروض السياحية التقليدية ازدهارها واستقطاب السياح من خلال توفير تجارب الضيافة وتناول الطعام وتجارة التجزئة الفاخرة، تتمتع دبي بجميع المقومات التي تؤهلها للبدء باستقطاب شرائح جديدة من السياح من حملة الهواتف الذكية والذين يتطلعون للحصول على أنماط مختلفة من دوافع السفر أو إشباع شغفهم سواءً من النواحي العاطفية أو الروحية أو الثقافية.

ويستند نجاح مقترح دبي القائم على “تجربة” السياح إلى مدى مصداقية رسالته. كما يتعين علينا الانتباه إلى أن هؤلاء السياح – الذين ينتمي معظمهم إلى جيل الألفية – يتسمون بالخصائص التالية:

  • مستويات رفيعة من المعرفة، حيث يقومون بتصفح عدد كبير من المواقع قبل الحجز لرحلاتهم السياحية. ويعتمدون في خياراتهم بشكل أساسي على تجارب السياح السابقين، ويقل اعتمادهم بالمقابل على الرسائل التسويقية للوجهات.
  • متحمسون لاختبار التجارب وفق أسلوبهم الخاص، ويقومون باختيار المنتجات والخدمات التي تواكب احتياجاتهم. لذلك فمن الضروري تزويدهم بالمرونة التي تتيح لهم اختيار التجارب وفق أسلوبهم الخاص.
  • نشطون للغاية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقومون بمشاركة تجاربهم عبرها. ويعد تأثير ذلك فورياً سواء كانت تجاربهم إيجابية أم سلبية، وذلك بحسب التباين بين ما قاموا بشرائه في مقابل ما حصلوا عليه فعلياً.

ومن الجدير بالذكر، أن تجربة العملاء أصبحت اليوم في مقدمة الأولويات لمعظم القطاعات تقريباً. وأنا أرى بأن هذا التأثير يمتد ليشمل الشركات التي أعمل فيها أيضاً، حيث يقوم عملاؤنا باتخاذ قرارات شراء العقارات بناءً على تجارب أنماط الحياة التي يسعون للحصول عليها.

ويشكل ذلك فرصة هائلة بالنسبة للشركات. فبينما تسعى الشركات التي لم تتمكن من فهم هذه التأثيرات بشكل جيد إلى إجراء تحول في عملياتها لمواكبة متطلبات عملائها، فإن الشركات التي قامت بتكييف عملياتها استناداً إلى منهج يتمحور حول تجربة العملاء ستشهد نمواً ونجاحاً لافتاً في المستقبل.